Recent Tube

test

اخر الاخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

Saturday 9 December 2017

رواية " تناديه سيدي" للكاتبة: فيوليت وينسبير الفصل 8



8- وقعت في حب الجزيرة!

كانت المصابيح الفراشية الشكل تشع أضواؤها الخافتة في الباحة عندما عبرت أيفين الممشى الذي قادها الى داخل القلعة , وكانت الفراشت الخضراء تهيم حول الشجر , وأحد الضفادع ينق في حوض النافورة , والقمر ينساب في سمائه ساطعا ويلقي نوره كغلالة فضية رقيقة على كل ما تحته في الليل الساكن .
وبينما هي واقفة تتأمل طبيعة الليل تناهت الى سمعها موسيقى البيانو من القلعة , كانت الموسيقى تتسلل ناعمة وحزينة , وشدّتها الموسيقى فوجدت نفسها عند باب الغرفة الذهبية المفتوح جزئيا , توقفت وأصغت , كان الوقت متأخرا جدا والقلعة ساكنة , كأنما هناك شبح في غرفة روزاليتا يعزف مقدمة شوبان , كان يعزف وحيدا في سكون الليل حتى أن أيفين ترددت في النظر الى داخل الغرفة.
خفق قلبها بهدوء , وأخيرا تشجعت وخطت الخطوات القليلة التي مكنتها من رؤية العازف , كان فوق البيانو شمعدان يهتز لهب شمعتيه راسما ظلالا على وجه دون جوان.
تابع عزفه كأنما يتجاهل حضورها وإن كانت تعرف بغريزتها أنه شعر بوجودها , ولكنه مستاء منها , وكأنما سرعة دقات قلبها قالت لها أنه كان ينتظر عودتها الى البيت , وكان من الواضح من ثيابه وربطة العنق الحريرية أنه لم يذهب الى فراشه.
وعندما قاربت موسيقى مقدمة شوبان على الأنتهاء , كانت سرعة دقات قلبها قد جعلتها تشعر بأغماء , أرادت أن تبتعد وتتراجع عنه ولكنها لم تستطع , أرادت أن تتحدث ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها , إنها على أستعداد أن تفعل أي شيء , أن تركع عند قدميه أذا لم يعاملها كطفل تأخر خارج البيت ولا بد من أن يؤنب وينال عقابه.
غمر السكون الغرفة , ثم أستدار ببطء لينظر اليها , كان وجهه شاحبا وزاد من شحوبه القميص الحريري القاتم وربطة العنق , وشدّتها عيناه ورأت فيهما وميض الغضب , سألها بلهجة لاذعة:
" تعرفين كم الساعة؟".
قالت وصوتها يرتجف :
" أعرف ..... أنني متأخرة , كنت مدعوة الى عرس في الكنيسة , وأقيمت بعد ذلك حفلة للعروسين ولم نغادر المكان إلا بعد منتصف الليل....".
" أعتقد أنك تقصدين أنت ومانريك كورتيز ؟".
" نعم يا سيدي".
" كان العرس مرحا , وزاهيا فشق عليك مغادرة الحفلة ؟ وكان هناك موسيقى ورقص , ويبدو عليك أنك أستمتعت بالرقص".
" أحب الرقص , وهل من العيب يا دون جوان أن أستمتع بحفل عرس ؟ هل أنا صغيرة وبلهاء لئلا يوثق بي في أي مكان إلا هنا أو في دروسي؟".
نظر الى وجهها وثوبها والمنديل المطرز الذي يغطي كتفيها:
" أنت لست في عمر يسمح لك أن تبقي في الخارج الى ما بعد منتصف الليل , والآن أدخلي وأغلقي الباب , أرجو أن تخبريني من هم أصحاب العرس , لا بد أنهم أصدقاء كورتيز؟".
أحمرت وجنتاها وهي تغلق الباب بكل طاعة ووقفت أمامه موقف الدفاع , وقالت :
" كانا ألطف عروسين , وقد أقيم الحفل في فناء دار واسعة في التلال يملكه والد الفارس العريس ويدعى السيد فيلاردي".
" أذن هو رجل له مكانته في الجزيرة , يسرني أن كورتيز أخذك الى أناس يمكنني الموافقة عليهم , فأنني سمعت أنه ليس دائما بلشخص الذي يوثق به".
تعجبت أيفين وقالت:
" أنت تتشدد ! وأنا لست بفتاة عاشت في دير ويتوجب حراستها , أنت تنسي يا سيدي أنني أشتغلت خادمة وكنت أقوم بخدمة الضيوف في حفلات بيت آل ساندل الريفي , وكان تغييرا لطيفا أن أكون الليلة ضيفة في حفلة !".
" يسرني أنك قضيت ممتعا , ولكن كوصي عليك لي الحق أن ينتابني القلق عندما تعودين الى البيت متأخرة".
تفحصت وجهه في ضوء الشموع , لم يكن قلقا عليها , وإنما كان متضايقا , فقالت بعنف:
" لا حاجة بك لأنتظاري إلا أذا كنت تشعر بضرورة تأنيبي".
" أنا لا أؤنبك يا صغيرتي".
إبتسمت وقالت :
" ولكن الحال أشبه بذلك , وعبوسك شديد حتى لم تعد لي قدرة على الوقوف , وإذا بقيت هكذا فمن المحتمل أن أنهار على السجادة من الخوف !".
ضحكت شفتاه وقال :
" أظن أنني نسيت ما معنى أن يكون الأنسان صغيرا وينسى الوقت مع رفاقه , ونسيت أنك لم تشهدي أبدا عرسا أسبانيا وأنك كنت مفتونة به , أخبريني أي مشهد أعجبك أكثر من غيره".
وبعد ذلك حرّك ساقه وهو ممسك بعصاه الأبنوسية التي لا تبعد عن يده.
عادت تتذكر الكنيسة والشموع , وطرحة العرس المطرزة التي بسطتها العروس على كتفي العريس وتبادل خاتمي الزواج, وقالت :
" الأحتفال ذاته يا دون جوان".
وفجأة , وبخفة الشباب , ركعت ومدّت مقعدا بثلاث قوائم تحت ساقه اليسرى , ونظر اليها فغابت في أعماق عينيه , فسألها:
" لماذا فعلت هذا؟".
أجابته وهي راكعة أمامه وثوبها يشبه بركة خضراء من حولها , وشعرها يتدلى حول عنقها ووجهها يتطلع اليه من أسفل وقد بدا شاحبا في ضوء الشموع , وفي عينيها خجل لأنها أخيرا تجرأت وحدّثته عن ألمه.

" أنا حادة الملاحظة ".
" وأنت مترفع جدا- دائما – الى حد لا تبوح فيه بما يؤلمك يا سيدي".
" قد أصبح عبئا ثقيلا يا أيفين أذا تأوهت في كل مرة أشعر فيها بوخزة ساقي , لقد أعتدت العيش بها , وعليك ألا تدلليني".
أبتسمت وقالت:
" ينبغي لنا جميعا أن ندلّل بين حين وآخر".
أنحنى الى الأمام , وأمسك معصمها بأصابعه الطويلة , فأنفعلت لرد الفعل المباغت ..... والرعشة التي تغلغلت في عظامها , وقال:
" أيفين , لا تفكري في العبودية مرة أخرى , أنت لست مدينة لي بأي شيء , وعلى الأخص عطفك, هل فهمت؟".
أطلقت زفرة مهزوزة وقالت:
" نعم فهمت , يمكنني أن آخذ منك أشياء لأن عندك المال , ولكنك ترفض أي ذرّة من الأمتنان أسديها لك , ليس هذا بكثير , ولكنه كل أملك".
إبتسم على نحو غريب عندما قالت ذلك:
" إن بريق عينيك يجعل المرء يظنك فتاة أسبانية , ستجدين بالقرب من النافذة البعيدة أبريقا فيه عصير البرتقال , وفي الخزانة المجاورة للنافذة عدد من الأكواب".
هبّت واقفة وأتجهت الى النافذة ذات الستائر الحريرية , وأنهمكت في ملء كوبين من العصير , وسرى في كيانها خاطر كالعاصفة وهو أن دون جوان قد يتحطم أذا هو أحب أمرأة لا يفهما , ولم تستطع أن تصدق أنه أحب راكيل فونسكا بمثل هذا النحو , أن راكيل لن تقلق أذا هو فعل ذلك , وهي تسعى لأشباع فضولها , وتريد أن تحظى بأعجاب الرجال الآخرين الموجودين على شرفة نادي هيدالغو أما هي فستكون قانعة ..... وسعيدة جدا أذا هي نعمت بحب مركيز الجزيرة.
حملت أيفين عصير الفاكهة الى حيث يجلس دون جوان , كان حقيقة ماثلة أمامها ومع ذلك بدا في الوقت ذاته مجرد جزء من الحلم الذي ستحمله معها وستتذكره هنا كجزء من السحر الأخاذ لغرفة المرايا الذهبية ,والبيانو بأطاره الرائع , ولوحات الوجوه الأسبانية المرسومة على خلفية ذهبية.
وقدمت له الكوب : " ها هو ذا يا سيدي ". وودت لو يعزف مقطوعة أخرى , فهمست:
" ليتك تعزف شيئا آخر قبل أن أسرع الى النوم".
شدّتها عيناه وهو يقول :
" ألم تسمعي ما يكفي من الموسيقى هذه الليلة ؟ أنا واثق أن كورتيز عزف لك بغيتاه وليس من آلة أخرى تعطي روعة الحس الأسباني مثلها".
وتعلقت عيناها بالغيتار المعلّق بالأشرطة القرمزية الى جواره صورة روزاليتا , في إمكانها أن تتصور دون جوان صبيا جالسا عند ركبة أمه يستمع اليها وهي تعزف له وتغني عن الأرض التي فرت منها ..... سألها:
" أي شيء تريدين سماعه؟".
نظرت اليه وعرفت أن المعزوفة لا بد أن تكون شيئا لا تنساه.
" أعرف لي شيئا تهواه".
" حسنا يا أيفين".
وضع الكوب جانبا , وجلست هي بين وسائد مقعد مريح , وأسرعت دقات قلبها من نشوة وجودها معه , وأغمضت عينيها عندما شرع يعزف , وكانت هي الموسيقى التي كان يمكن أن تختارها , حلوة وحزينة , حزن عاشقين يتحتم عليهما الأفتراق.
عزف مقطوعة حب تريستان وايزولد , وطوال عزفها كانت أيفين تشعر وكأن أمه موجودة في الغرفة , أن روزاليتا كانت تتخذ من هذه الغرفة ملاذا لها من برودة أهل زوجها , في هذه الغرفة كانت تنتظر عودة زوجها اليها من أسبانيا , وأخيرا فرت لتنضم اليه , وقد حاربا معا في التلال كمحازبين , ومات في التلال فرحلت بأبتها بعيدا جدا , وعلمته , أن يحب الموسيقى ..... ولكنها علّمته أيضا أن يكون حذرا من الحب.
نظرت أيفين الى صورة روزاليتا , بدا لها كأنما عيناها تلتقي بعينيها وتحدثها قائلة أن الحب الكثير قد يجلب لها وجع القلب , وأن عليها أن تنتبه قبل أن تصبح حياتها تعسة بسبب حب لم تخلق له.
وتوقفت الموسيقى بهدوء وأدركت أيفين أن الدمع يبلل عينيها وأغمضتهما وأبعدتهما بسرعة قبل أن يستدير دون جوان لينظر اليها , كانت عيناه تشبهان عيني أمه في الصورة , والموسيقى التي عزفها عن حب محرم , لعله أخبرها بطريقته الناعمة أن عليها أن تتركه مثلما جاءته الجزيرة ضالة , سألها :
" هل أعجبتك المعزوفة التي أخترتها لك؟".
هزت رأسها :
" كانت جميلة يا سيدي , مثل اللحظة التي بسطت فيها العروس طرف طرحتها على كتف زوجها , شيء خاص جدا للذكرى".
" تعرفين معنى هذا الجزء من مراسم الزواج؟".
أعتقد أن ذلك يعني أن العروس تسلم ذاتها الى سلطة الزوج , يبدو أنه يعني شيئا من هذا القبيل , وكان شيئا جميلا , الطرحة البيضاء على سترته السوداء وشعرها الأسود يربطهما معا".
" أن قسم الزواج الأسباني رباط أبدي يا أيفين , على الأرض وفي السماء , وسواء كانا معا أو كانا مبتعدين , لهذا السبب يجب على الرجل أن يكون على ثقة , ويجب على الزوجة ألا تتعامى عن الأشياء الأخرى الخارجة عن نطاق الحب , وعليها أن تشعر نحو الرجل بأكثر من الأعجاب أو العاطفة وبأكثر من الأمتنان لأنه ربما كان طيبا نحوها , في البداية يكون التألم في الحب أكثر من السرور به".

لم تستطع أيفين أن تقرأ التعبير المرتسم على وجهه , ففي تلك اللحظة أنطفأت أحدى الشموع , ولكن حديثه عن التألم في الحب معناه أنه يشعر به , وأنه واقع في الحب , وأنه سيتزوج ليس فقط من أجل أنجاب وريث يحمل أسمه , سيتزوج من أجل الزواج نفسه لأنه يريد المرأة أكثر من أي شيء آخر على الأرض.
وأخيرا بدت الغرفة باردة , وشعرت أيفين برعشة , وأخذ ضوء الشموع يذبل , فنهضت من مقعدها المريح وقالت :
" الوقت قد تأخر جدا , ربما يغشاني النوم أثناء دروس الغد".
" أجل , على كل منا أن يأوي الى فراشه".
ومد يده ليلتقط عصاه , ولكنها زلقت من يده ووقعت على الأرض ,وفي لمح البصر أسرعت أيفين الى الأمام لكي تلتقطها , وقدمتها اليه بأبتسامة تلاشت في الحال بعد نظرته القاسية اليها وهو يأخذها , نظرة قاسية كأنما ضربها بالعصا.
تراجعت حائرة خائفة وهو يقول :
" أذهبي الى غرفتك !".
فقالت والكلمات ترتعش على شفتيها:
" ألا تقول طاب مساؤك؟".
" طابت ليلتك , في المستقبل أحتفظي بشفقتك ولا تستعيدي الأشياء التي تسقط مني كأنما أنا عاجز ضعيف !".
أجابته :
" آسفة".
ولكن كلماته جرحتها وخنقتها دموعها وهي تجري خارجة من الغرفة , وصعدت الدرج المؤدي الى غرفتها , لم يكنطيبا أطلاقا , بل كان متكبرا وقاسيا وأرادت أن تغادر بيته ! أرادت أن تبتعد أميالا , وغدا سوف تطلب من السيد فونسكا أن يرتب لها الذهاب الى مدريد بأسرع ما يمكن , هناك تحصل على عمل وتعيل نفسها , محاولة أن تنسى المركيز وقسوته بالأبتعاد عنه.
منتديات ليلاس
نامت نوما متقطعا وكانت مسرورة عندما أتى الصباح , وقد أطمأنت لأن دون جوان لم يشاركها الأفطار في الباحة , وبحلول الساعة التاسعة كانت في طريقها بالسيارة الى فيللا فونسكا.
وبعدما دخلت الفيللا , جاءتها راكيل عبر القاعة وهي بادية الأضطراب , وقالت:
" والدي مريض , والطبيب معه , عليك أن تعودي يا أيفين الى القلعة , لا يمكنك البقاء هنا لأنني أريد التفرغ للعناية بأبي".
فقالت أيفين على الفور من أجل أستاذها :
" آسفة يا راكيل ! أظن أنه كان متعبا بالأمس والطقس كان حارا , وأعتقدت أن سبب تعبه حرارة الطقس".
علّقت راكيل قائلة:
" كان من حين الى آخر يشكو من وجع جبنه , وقد حذّره الطبيب من رفع الكتب الثقيلة التي في مكتبه , والآن قد أجهد قلبه وعليه أن يرتاح لأسبوع أو أكثر".
شعرت أيفين بحرج وقالت:
" مسكين السيد فونسكا , هل من شيء أستطيع تقديمه للمساعدة , أنا معجبة به كثيرا و....".
قالت راكيل:
" هناك يا عزيزتي خدمة يمكنك القيام بها من أجلي , يمكنك أخذ رسالة نيابة عني الى السيدة غرايسون الأميركية التي وجهت لي دعوة للغداء معها اليوم على ظهر يختها , أنها لطيفة وأحب أن أعتذر لها".
وأنتظرت أيفين حتى كتبت رسالة الأعتذار على مكتب صغير أنيق في صالة الفيللا , كانت مهتمة بالأعتذار عن دعوة الغداء بمثل أهتمامها بأبيها المريض , وشعرت أيفين بتذكرها أن الوالد للفتاة شخص عزيز جدا وأنه ما من أحد يمكن أن يحل محله , ما من رجل آخر في حياة الفتاة يمكن أن يكون لطيفا ومتفهما , وما من حب آخر كان مأمونا وغير متطلب مثل الحب الأبوي.
سلّمتها راكيل مظروفا صغيرا وقالت لها:
" أن الدلفين الأزرق , يخت السيدة غرايسون , يرسو على بعد ميل من الجزيرة , وأحد صيادي السمك يمكن أن يتولى نقلك الى اليخت في قاربه , اليخت سفينة رائعة وكنت أتطلع للتفرج عليه , كما أن السيدة لمّحت الى دعوتي لرحلة على ظهره....".
همست أيفين :
" أن رحلة بحرية هي بالتأكيد فرصة حسنة لوالدك ".
فأجابت راكيل وهي تنظر ناحية سلم غرفة النوم :
" بالطبع ...يحسن بي أن أصعد اليه ".
" أرجو أبلاغه تمنياتي له بالشفاء , وأنني سأفتقد دروسنا".
وقالت راكيل في حدة:
" لا ينبغي له أن يعطي دروسا , أن حمله لتلك الكتب الثقيلة قد أضطرنا الى حمله الى غرفة نومه !".
عضت أيفين شفتيها وقالت:
" لن آخذ المزيد من الدروس , كنت سأتحدث اليه اليوم بخصوص عملي في مدريد , أشعر أنني جاهزة للعمل".
سألتها راكيل وقد خطر لها أن تتنبأ :
" هل تعنين أنك تودين مغادرة الجزيرة ؟ ألست سعيدة في القلعة ؟ أن جوان كان سخيا معك , ولكنني أعتقد أن طيبة الرجل تعني القليل بالنسبة الى الفتاة إذا كانت الطيبة ليست بدافع أهتمام شخصي , أن جوان كريم بطبعه".
جفلت أيفين , لأن أحسان دون جوان هو آخر شيء على الأرض تريده , وضعت رسالة راكيل في جيب سروالها الخلفي ذي اللون الأصفر الشاحب , وحاولت أن تبدو مرحة مثل قميصها البرتقالي الرياضي , وقالت :
" سأحضر غدا أن أستطعت , للسؤال عن صحة الأستاذ؟".
" تعالي إذا كانت هذه رغبتك , وأكدي للسيدة غرايسون أنني آسفة جدا لعدم تلبية الدعوة , أذ عليّ أن أكون أبنة مخلصة وأظل الى جانب والدي".
وقالت أيفين بصدق :
" ليست كل فتاة لديها مثل هذا الأب الرائع , أتمنى له الشفاء العاجل يا آنسة , الى اللقاء غدا".
خرجت مرة ثانية الى الشمس ثم سارت في الطريق المرصوفة بالحصى والموصلة الى الميناء , كان كل شيء في هذا الصباح يفوح برائحة الخوخ , وتكدرت لأن السيد فونسكا قد لزم فراش المرض , أنه يحب جمال هذه الجزيرة المختفية بعيدة عن العالم حتى أن الأساطير القديمة وخرافات السحر لا تزال تعشعش فيها , أحست بالشمس على ذراعيها وهي تعبر الساحة ذات النافورة القديمة التي يعود طراز زخرفتها الى العصر الباروكي , وتجمعات البيوت التي تزخر شرفاتها بالزهور المعلّقة , وكان البطيخ يباع على منصة قريبة من الكنيسة , وتوقفت لتشتري شريحة باردة سرّتها حلاوة طعمها , وذلك قبل أن تصل الى شباك الصيد والصواري الممتدة على الشاطىء.
منتديات ليلاس
كانت تبحث عن بحار يملك قاربا وعنده فراغ من الوقت ليكسب القليل من المال مقابل نقلها الى اليخت , وكان من حسن الحظ أنها تحمل بعض النقود في جيبها , لأن راكيل لم تفكر في أعطائها النقود اللازمة لتأدية مهمتها.
ولمحت أيفين شابا يستند الى نخلة قرب قارب على الشاطىء , وكانت الشمس قد أعطته جاذبية البحار , فأقتربت منه وسألته إذا كان في وسعه أن ينقلها في قاربه الى يخت الدلفين الأزرق , الذي يبدو في لونيه الأبيض والأزرق راسيا على مسافة ميل من الشاطىء.
وألقى نظرة الى ثيابها غير الرسمية وشعرها الذي ينساب على كتفها وسأل :
" هل للآنسة أصدقاء على ظهر اليخت؟".
" معي رسالة للسيدة التي تملك اليخت , وأود أن تعود بي الى الشاطىء بعد تسليمها".
هز رأسه موافقا , وبدأ يسحب القارب وينزله الى الماء , وثبت القارب الصغير الى أن ركبت أيفين وجلست على لوح خشب بشكل مقعد وشعرت بلحظة خوف عندما نزل المجذافان في جمال الميناء ونسمة البحر المنعشة تمسح وجهها وكانت المياه زرقاء حتى كادت تتوقع أنها ستلون أطراف أصابعها عندما تلمسها , والطيور تسبح في الفضاء , وبشرة الشاب السمراء تداعبها خصلات شعره , وقال :
" لا يأتينا كثير من السياح الى هذه الجزيرة , أنهم لا يجدون تشجيعا من المركيز الذي يود أن تبقى الجزيرة بغير تلوث وفساد:,
علّقت قائلة وقد علت شفتيها أبتسامة مرحة:
" أرجو ألا يظن المركيز أنني أفسدت له الجزيرة".
وبنظرة أعجاب جريئة قال الشاب :
" كلا , لو أن جميع السياح في جمال الآنسة , فأنا واثق من أن المركيز سيكون مسرورا للغاية".
" لا أظن".
ثم أطلقت ضحكة مشوبة بشيء من الحزن ولاحظت أقترابهما من يخت الدلفين الأزرق.
" مرحبا".
صاح شاب بلهجة أميركية وكان يرتدي زي البحارة وقد أزاح طاقيته الى الوراء , وأنحنى على جانب اليخت عندما وصل القارب , ولوحت أيفين بالرسالة موضحة أنها تريد تسليمها.
" هيا أصعدي !".
ترددت أيفين أذ كان البحر يموج قليلا حول اليخت , وكان لا بد من أن تحافظ على توازنها لكي تخطو من القارب الى درجة السلم الموصل الى ظهر اليخت.
وسمعت الصوت يقول لها:
" أصعدي ولا تنظري الى أسفل".
وما أن وصلت الى أعلى حتى رفعتها ذراعان قويتان , وضحكت وصافحت عيناها عينين زرقاوين نظر اليها قائلا:
" هذه مفاجأة ! هل يوزعون البريد في هذه الجزيرة بواسطة الحسناوات المحليات؟".
" من دونا راكيل".
تأمل مظروف الرسالة وقال:
" الى والدتي أليس كذلك؟".
أجابت بالأنكليزية :
" السيد فونسكا ليس على ما يرام وقد رأت راكيل أن من الأفضل أن تظل معه , وهي مستاءة بخصوص تغيبها عن المجيء الى اليخت".
نظر الى أيفين ثم ضحك وقال:
"أذن فأنت لست سنيوريتا , أنت سائحة مثلي".
نفدت الكلمة الى أعماقها كأنها سكين , ولكنها كانت كلمة صادقة , أنها فعلا سائحة فقط وقعت في حب هذه الجزيرة , أنها لا تستطيع البقاء فيها مثل صيادي السمك أو النسوة اللواتي يجمعن عشب البحر على الشاطىء , أو طالبات الدير اللواتي يسرن مع الراهبات.
" جزيرة دي ليون مكان رائع ".
هذا ما قاله إبن السيدة غرايسون وهو ينظر من سطح اليخت الى الجزيرة , ثم سألها:
" هل أنت مقيمة عند آل فونسكا , أن راكيل لم تذكر وجود ضيفة لديهم....".
لقد أعفى أيفين من الرد وذكر مكان أقامتها , ظهور سيدة على سطح اليخت في تلك اللحظة , كانت ممتلئة الجسم , رمادية الشعر وترتدي ثوبا قرنفليا , سألت :
" كينيث , من الذي جار لزيارتنا؟".
أقتربت بأبتسامة مماثلة ثم أتسعت عيناها عند رية أيفين وقالت :
" أهلا , هذا شرف لنا , لقد رأيتك منذ يومين وقيل لي أنك تحت وصاية المركيز دي ليون".
جفلت أيفين وشعرت كأنما تريد أن تتجه الى الممر الخشبي ناحية جانب اليخت.
وعلّقت السيدة غرايسون :
" أيفين والأسد ! ( ليون ) , ما أغرب روعة التعرف عليك يا عزيزتي , هل أنت صديقة أبني كينيث؟".
كان كينيث يتابع حديثهما فأسرع الى تسليم رسالة راكيل الى أنه :
" أن الآنسة أحضرت هذه الرسالة".
فتحت الرسالة وقرأتها وأعربت عن أسفها لمرض السيد فونسكا , ثم أعلنت أنه ما دامت راكيل لم تستطع مشاركتهما على الغداء فيجب أن تحل أيفين محلها.
كانت أيفين تريد أن تتجنب الرد على الأسئلة التي تتعلق بالمركيز , إذ كان الفضول باديا في عيني السيدة غرايسون , فقالت:
" كلا , لا أستطيع......".
" أنني أصر يا عزيزتي , وسأتركك تذهبين أذا كنت ستقابلين المركيز على الغداء".
وكانت بنتيا غرايسون سيدة أعتادت على ألا يرفض لها أحد دعوة .
حاولت أيفين أن تكذب كذبة بيضاء , ولكن صدقها تغلب فقالت أن المركيز لا يتوقع عودتها على الغداء.
" لكن لدي بعض الدروس التي أريد مراجعتها".
تعجبت السيدة غرايسون وتساءلت:
" دروس , دروس لغة يا عزيزتي ؟".
" أجل ".
" بالتأكيد يمكنك تأجيلها , أننا أنا وكينيت نحب أن تشاركينا الغداء , ولن أقبل الرفض ". ونظرت الأم الى أبنها وتابعت : " سنأتي بالمقبلات الى سطح اليخت , أنا مشتاقة للتعرف على بطلة حكايتنا الطفولية ".
تحدثت أيفين وهي تتفادى النظر الى عيني كينيت :
" لقد جاء بي صياد بقاربه وهو ينتظر للعودة بي الى الجزيرة".
قال كينيت بإبتسامة :
" سأذهب وأبلغه بأنك لن تعودي الآن , وأنما بعد فترة"

للعودة الى الفصل 7 اضغط هنا
للمرور الى الفصل 9 اضغط هنا

No comments:

Post a Comment

اقرا المزيد