Recent Tube

test

اخر الاخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

Saturday 9 December 2017

رواية " تناديه سيدي" للكاتبة: فيوليت وينسبير الفصل 4


4- ليلتك سعيدة يا صغيرة

كان بيت الزهور أشبه بكهف ظليل كله شذى , وخيوط الشمس الذهبية تبرز الزهور المتعددة الألوان وبعض ثمار الزينة الصغيرة فوق شجر اللوتس , أنه الملجأ الذي تلوذ به أيفين لتطالع كتابا أو لتستمتع بالكسل , وهي تنتظر على أحر من الجمر اللحظة التي يأخذها فيها المركيز الى السيد فونسكا , أنها تتطلع الى التلمذة وتتوق لتعلم الفن وتاريخه وكل الأشياء التي ستوفر لها حياة العمل لأن العمل هو خبز الحياة كما يقولون.
كانت تحدّث نفسها قائلة أنها أشبه بتمثال الأنثى غالاتيا الذي نحته بغماليون , أو مثل أليزا دولتيل بطلة رواية ( سيدتي الجميلة) التي صقل لهجتها السوقية وهذبها أستاذ مثابر عنيد.
غير أن فكرة الشخصية الأخيرة جعلتها تبتسم , وذلك لأن دون جوان ليس بالأستاذ العنيد , أنه أسباني نبيل شملها بوصايته لأن في ذلك تسلية له.
أعتادت التنزه بمحاذاة الصخور عند ميناء الصيد الصغير , وكانت أذا أنحسر الماء تجد على الشاطىء قناديل البحر وغيرها من الأصداف والأسماك القشرية , تلك القرية الصغيرة تسمى سان كاليز وفيها تراقب أيفين الصيادين وهم يسحبون شباكهم , أو تتجول في الشوارع الضيقة المسقوفة بالقناطر , ثم تخرج منها الى حيث نور الشمس.
منتديات ليلاس
هناك دخان الأخشاب المشتعلة الذي ينتشر في الهواء , وطاحونة هواء لري المزروعات تزيد في سحر الجزيرة , وأطلال دير قديم كان معزولا عن العالم , وكان رهبانه فيما مضى من الزمان يدافعون عن سكان الجزيرة بأطلاق النار من مدفع قديم على مراكب القراصنة الشراعية.
كل هذا فتن أيفين , فهي لم تكن أبدا فتاة مدينة , لهذا فهي تمرح في الرمال وتركض بمحاذاتها , وشعرها يتطاير من ورائها , كانت تحملق كالحالمة الى القلعة الرابضة على الضخور , بجدرانها المقوسة وبأبراج زواياها المتوهجة , وبرجها البحري بنوافذه الضيقة وهي تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية.
كان دون جوان هناك في القلعة , سيد قلعتها التي لاذت اليها , رجل مهذب ومترفع يجب أن يعطي الأنطباع بأنه غير عاطفي , وتساءلت أيفين عما أذا كان قد تعرّض للأذى عندما كان في ليما ...... وتذكرت أنها يوم تحدثت عن الجياد غيّر الموضوع , لقد تعرّض لأصابته عندما كان يمتطي صهوة جواده ..... أهذا هو سبب خلو أصطبلات القلعة من الجياد؟
عندما عادت أيفين عصر ذلك اليوم الى القلعة , وجدت أن علب الثياب الجديدة قد وصلت في غيابها , وقد صفت في غرفتها فوق السرير وعلى الكراسي , وسرعان ما فضّت أغلفتها وفتحتها بشوق لترى محتوياتها .
ضاعت يداها في ثياب رقيقة بيضاء وتفاحية , وأخرى داخلية في علبة فضية , وأحتكت أصابعها بثياب من الجيرسيه والشيفون المتعدد الثنيات وثياب مسائية من المخمل اللامع , وأخرى للشاطىء أو نهارية بسيطة منها ما بلون الشمس ومنها ما هو أخضر أو برونزي يتناسب مع لون شعرها , وكانت هناك أحذية لكل المناسبات ....وشيء في علبة طويلة تجرأت ولمسته.
مرت أصابعها المترددة على الفراء العسلي اللون....... لا بد أن هناك خطأ , أن دون جوان لم يتحدث عن قطعة من الفراء , ومع ذلك جاءتها هذه القطعة , وهي ذات زر كبير من الفراء أيضا يجمعها على الكتفين ولها شرائط حريرية تحت الفراء لأدخال الذراعين فيهما.
وضعتها على كتفيها وكأنها في حلم ونظرت الى المرآة وحملقت في صورتها , أيفين ترتدي فراء! أيفين الخادمة في ثياب الأميرات!
منتديات ليلاس
عبق وجها كله بحمرة الخجل , أنها لم تفهم دون جوان عندما قال أنها ستكون تحت وصايته , لقد قال عازف الغيتار مانريك كورتيز أن الناس كانوا يتحدثون عنها , أتراها ببراءتها جعلت المركيز يفترض أنها في مقابل الثياب الجميلة ستنصاع لطلبات تتجاوز وصايته عليها؟
مزقت غلاف العلبة , وألقت به على الفراش وخرجت مسرعة من الغرفة , ولم تتوقف عن الجري الى أن وصلت غرفة مكتبه في أعلى البرج البحري , وطرقت الباب قبل أن تفقد أعصابها , كانت ستبلغه أن الثياب شيء غال جدا بالنسبة اليها , وأنها أنما كانت تريد أشياء بسيطة للغاية , عليها أن توضح له الأمور...... أنها فتاة رزينة , وليست واحدة يمكن شراؤها بفراء.......
دعاها صوت عميق بالأسبانية للدخول , فأخذت نفسا عميقا قبل أن تدير قبضة الباب وتدخل , أنها غرفة دائرية , وللوهلة الأولى تذكرت الشخص النحيل الجالس وراء مكتب خشبي فخم , كان يرتدي قميصا حريريا مفتوح الرقبة , وشعره يبدو غير ممشط لكثرة ما عبث فيه بأصابعه , وسحابة دخان سيكاره تحيط به.
" أخيرا عرفت الطريق الى برج المراقبة".
ونهض على قدميه وأومأ اليها بالجلوس على مقعد قريب مكسو بالمخمل الأسود , وقد أطلق على غرفة مكتبه برج المراقبة لأنها كانت تستعمل قريبا لمراقبة سفن القراصنة الشراعية , وكان أحد أفراد أسرة ليون قرصانا بحريا معروفا.
كشفت أبتسامته عن أسنانه البيضاء في لمحة وقال:
" أن تاريخ أسرتي كثيرا ما فتنني وأنا الآن أقوم بكتابته".
أشار الى مجموعة المخطوطات والمفكرات والمذكرات المفتوحة على مكتبه , وأضاف:
" أنها عملية شائقة , فقد كان في العائلة عسكريون ومكتشفون وقراصنة وشعراء".
نظرت أيفين الى وجهه الأسمر الوسيم , يبدو رجلا شديد الجاذبية في قميصه الحريري الأبيض وشعره المنفوش, وخفق قلبها ....... أنه رجل يحمل في عروقه دم سلفه القرصان ! ودفعها الخجل الى تحويل عينيها عنه والنظر الى غرفة مكتبه , كانت خالية من الزينة بأستثناء الخزائن الجدرانية الحافلة بالتذكرات وبعض البنادق والتماثيل الخزفية الصغيرة لرجل كان وافر النشاط فيما مضى , وهناك أقنعة وأشياء من أماكن غريبة , وكتلة من الفضة , لعلها أول قطعة أستخرجها.
أعاد النظر اليها من خلال دخان سيكاره , فقالت:
" جاءت الثياب من مدريد".
" آمل أن تعجبك".
" دون جوان".
" نعم يا أيفين".
كان ترديده لأسمها , ونبرة صوته المخملية , والطريقة التي نظر بها اليها مما جعلها تشعر بالذعر فقالت:
" لقد أرسلوا قطعة فراء للكتفين يا سيدي , هل أمرت بذلك؟".
" طبعا فعلت".
كان في أعماق عينيه شيء غامض , وتابع:
" شال الفراء يناسب من هي في مثل عمرك.. ألم يعجبك يا آنسة؟".
" أنه جميل , ولكنني لا أستطيع قبوله !".
" لم لا؟".
" أنه غال جدا".
" أذا أصبح الفراء على كتفيك فلن أسأل عن ثمنه".
" ولكنني أنا سأسأل يا سيدي!".
" أنت يا آنسة؟".
" وسحب نفسا من سيكاره ثم قال:
" وهل تتوقعين دفع قيمة الثياب كذلك؟".
أجابت: " الفراء عادة يدفع ثمنه مرتين".
ودق قلبها بجنون , لأن وجهه كان ساكنا , ولكن النار كانت تتأجج في عينيه , وأمسكت بحافة المقعد وكانت على وشك الخروج.
فقال ممازحا:
" أذن لقد خطرت لك نيتي الخبيثة , وأنت فتاة لا تشترى بالفراء , يا لخيبة أمل سيد القلعة , ماذا تراه سيفعل الآن لأغراء الفتاة البريئة..... هل سيتغلب على وساوسها في الحلقة الثانية من الرواية ؟".
تطلعت اليه أيفين وحمرة الخجل تسري في وجهها , نفض رماد سيكاره في منفضة برونزية وقال :
" أي روايات غريبة كانت السيدة ساندل تأمرك بقراءتها لك , يا صغيرتي , لقد أعطيتك الثياب الجديدة لأنك في حاجة اليها ,ولأن الفتيات الصغيرات ينبغي أن يتوفر لهن أشياء جميلة , أظن أن أحدا لم يعطك هدية منذ وقت طويل , ولهذا فأنت في شك من الهدايا , لا حاجة لذلك , الفراء ضروري الى ذهبنا الى المسرح أو للعشاء مع أصدقائي , وبما أنك تحت وصايتي فأنا أريد أن تكوني أنيقة".
أبتلعت أنتقاده لظنونها وقالت:
" آسفة لغباوتي يا سيدي".
" أنا لا ألومك , فقد أشتغلت لدى أمرأة غبية زرعت في رأسك أن الحب بين الكبار سلعة , شيء يباع ويشترى , وأنا شخصيا أعرف أن هناك أناسا تشرّبوا هذه الفكرة , أن أسرة أبي لم تستطع أبدا فهم أبي الذي آثر الحب على الأقتران بفتاة باردة غنية , ولم يغفروا له ذلك الى يوم مماته".
أستقرت عيناه طويلا على قطعة الفضة التي أستخرجها من البراري الموحشة في شبابه.
" كانوا يسمونني أبن الساحرة , وكانوا يقولون أن أمي قد نفخت في أبنهم روح الفجر.... ولاموها عندما وافته المنية , كان أهلها من المحازبين , وقد حاربت أمي وأبي في تلال أسبانيا مع المحازبين الى أن قتل أبي".
تعلّقت عينا أبن روزاليتا بعيني أيفين وأسرتهما , ثم نهض المركيز واقفا وبمعاونة عصاه مشى يعرج الى نافذة من نوافذ برجه البحري.
قال وهو يفتح النافذة وهواء المساء يندفع منها:
" تعالي وتأملي غروب الشمس في البحر".
تقدمت أيفين وهي خجلى , لكي تنظر الى الغروب , لهيب عظيم يحترق ويشق طريقه في المياه البعيدة ويضيء بألوانه الأمواج الحريرية .
وتنفست قائلة:
" في منتهى الروعة والقسوة ". ثم تابعت : " أن قلعتك مصانة وهي لا بد قديمة جدا".
" نحو مئة سنة يا آنسة".
ولمعت عيناه عندما وجد أنه شيء مسل أن تظن مرتهقة جميلة الساقين أنه واقع في غرامها , وأضاف:
" كانت القلعة الأصلية بناء غير منتظم , ولكنني أرى أن المبنى الحالي متناسق وأكثر جاذبية , ما رأيك؟".
" أنا أحبها".
قفزت العبارة دافئة من بين شفتيها , وزادت:
" ما كان يدور بخلدي أبدا أن أعيش في قلعة , ما أشبه ذلك بحكاية خرافية".
" وأنا الغول؟".
" كلا......".
" لا داعي للمجاملة , لماذا لا تجدني فتاة صغيرة شخصا منحوسا بساقه العرجاء وأجتراره للماضي".
أبتعد عنها بدون أن ينتظر جوابا وعرج عائدا الى مكتبه , وقال :
" غدا مساء سنتناول العشاء في النادي مع السيد فونسكا وأبنته , وأحب أن ترتدي شيئا من الثياب الجديدة".
" حسنا يا سيدي".
سمعت أمر الأنصراف في صوته ومشت نحو باب برجه , ثم توقفت وعادت تنظر اليه:
" شكرا للثياب الجميلة يا دون جوان , أنا ممتنة حقا".
" أنها ضرورية لحياتك الجديدة ". قال ذلك بوضوح وهو يدرس ورقة مخطوطة , وأضاف:
" سأشتغل معظم هذا المساء , في رعاية الله".
رافقتها العبارة الأخيرة بالأسبانية الى أن وصلت غرفتها , حيث مضت تملأ خزانة الملابس بثيابها الجديدة وممتلكاتها الرائعة , وتأملت ثوبا مخمليا نصفه السفلي على شكل جرس ثم ألتفتت بأهتمام الى ثوب من الشيفون ذي تكسيرات من كتفيه الى ذيله , لم يسبق لها في حياتها أن عانت من مشكلة أختيار ثوب للذهاب الى العشاء مع رجل في ناد ليلي فخم , كان أشبه بحلم , ولكن عندما قرصت جسمها أحست بألم فعلي.
الثياب حقيقية...... والقلعة حقيقية...... وفي الصباح لن تستيقظ على صوت جرس أيدا ساندل , ذلك كله كان صفحة ماضية ....... وهذا كله صفحة جديدة من حياتها الآتية.
وبعد أن تناولت العشاء وحدها , جلست عند نافذة غرفة نومها وأخذت تراقب النجوم اللامعة المطلة على البحر , وتنشقت رائحة نعنع الماء وتساءلت ماذا سيقول عنها مانريك كورتيز مساء الغد وهي في ثيابها الرائعة.
خفق قلبها بهدوء من الأثارة , أن مانريك رآها جذابة , وعندما لمست شعرها , تذكرت كيف كان الشبان على سطح الباخرة يتجاهلونها فلا يعيرونها نظرة ثانية , لقد كان يؤذيها أن تكون زهرة حائط , وذلك جعلها تشعر بالوحدة وأنه غير مرغوب فيها , وهي تراقب الفتيات الأخريات يرقصن مع الشباب , وأحيانا كانت تبكي في سكون الليل , وتاقت لشخص يقول لها أشياء لطيفة.
وجاء مانريك وحدثها بما تاقت اليه , ولعلله عندما سيراها سيطلب مراقصتها.
أقبل المساء التالي وأختارت ثوبا مخمليا أحبت لون قماشه الذهبي اللامع , وخاصة السترة القصيرة المطرزة , وموّجت شعرها الذي غسلته في الصباح , وشدته في أعلاه , ووضعت على وجهها القليل من البودرة , وأحمر الشفاه وظلا خفيفا للعين , وكان محل الأزياء قد أرسل لها مع الثياب الجديدة مجموعة من مواد التجميل , وراعتها فتنة نضوجها , وظهر بريق عينيها الذي كانت تحجبه النظارات فيما مضى , وبضحكة سعيدة أنحنت لخيالها في المرآة , سرّها أنها ستبدو جميلة... أمام مانريك ...... والآن عليها أن تهبط الدرج وتقدم نفسها للوصي عليها.
كانت أصايعها تمسك محفظة يدها المخملية بشيء من الأضطراب وهي في طريقها الى القاعة , وقبل أن تصل الى أسفل الدرج الحلزوني لمحت قامة وصيها السمراء عند فتحة القاعة المؤدية للخارج , وكان يعلوها مصباح يلقي عليه بضوئه ذي المظلة كما لو كان على تمثال ..... ولم يتحرك ولم يتكلم إلا بعد أن ألتقت عينا أيفين به.
وتوقفت أيفين عند الدرج وقربت محفظة يدها الى قلبها .
" أوه , مساء الخي يا سيدي".
مد يده اليها , فأقبلت صوبه بلا تردد , وقال:
" أصبحت ناضجة جدا".
وعندما أمسك بيدها ظنت أنه سيرفعها ويقبلها , ولكنه لم يفعل , بل جذبها ناحية الضوء وتفحص وجهها , ثم قال:
" أحمر الشفاه زائد , تعالي!".
وأخذها بيده الى الصالون.
وتأمل مرآة على الحائط , وقال آمرا:
" أمسحي الأحمر ".
وأطاعته , ولكنها كانت ترتعد في دخيلة نفسها , هل كانت تظن أن هذا الرجل سيعجب بالثوب الذي أشتراه؟ يا له من أمل كاذب ! أن كل ما يطلبه هو أن تشرفه أمام أصدقائه.
" أهكذا أفضل يا سيدي؟".
وأستدارت لتواجهه , فأثار فيها كل أرتباك الشباب عندما نظر اليها نظرة شاملة , ل تحظ منه بقدر من أبتسامة وقد أنحنى على عصاه وأخذ يتفحصها وكأنها لوحة على حائط لا فتاة حية ينبض قلبها بسرعة.
أستقرت عيناه على عنقها الصغير العاري , وقال:
" تزيين الصغيرات باللاليء أشبه بتهذيب الزنبق , ولكنك أعتقد أنك ربما تحبين هذه".
وأخرج من جيبه عبة حلي وأعطاها أياها , فتحت غطاءها بأصابع مرتعشة وألتقطت أنفاسها بعدما رأت قلادة ذهبية مجدولة تزدان هنا وهناك بوريقات ناعمة من أحجار كريمة خضراء وقالت:
" أنها نادرة وقد أموت من الخوف أذا فقدتها".
كانت على وشك أن تغلق العلبة عندما مد يده وأخرج القلادة ثم قال:
" تعالي هنا".
ولم تجرؤ على عدم طاعته , وأحست بأنفاسه بعدما أصبحت القلادة حول رقبتها وأصابعه تربط مشبكها.
" أستديري يا أيفين".
أستدارت ثم ضحكت ضحكة عصبية مفاجئة وقالت:
" آه لو رأتني الآن السيدة ساندل!".
" ماذا يمكن أن تقول؟".
" لا بد أن المفاجأة قد تعقد لسانها".
" حقا يا أيفين".
" من قبل , لم يكن عندي أي ثوب جميل ..... وكنت دائما أبدو شنيعة في لون البيج , وكانت ترغمني على وضع نظارة".
أخذ وجهها بيده وكأنه زهرة وقال:
" أن بصرك لا يبدو ضعيفا , ماذا حدث للنظارة؟".
" ضاعت في البحر".
" عليك أن تتركي الذكريات الحزينة تضيع أيضا يا آنسة , أعدك بأنك لن تلبسي اللون البيج أثناء وجودك في القلعة".
" أنا ممتنة لعطفك يا سيدي".
" لا أريد شكرا , وأنا لست عطوفا بوجه خاص".
وكانت أسيرة لعينيه لحظة , ثم ترك وجهها وقال:
" هيا , أمامنا ستة أميال للوصول الى بورتو دي ليون , ولا أريد أن نتأخر على راكيل وأبيها".
تقدمته أيفين وهما يخرجان من الغرفة ثم من القلعة , وفتح السائق باب السيارة فدخلت أيفين وكأنما تسمع همس ثوبها المخملي , وتبعها دون جوان بأرتباك بسبب عرجه , ووقعت عصاه على أرض السيارة , وأستعادتها أيفين بسرعة , وجفلت عندما قبضت أصابعه على أصابعها وعصاه, وشكرها بأحترام , وبدا وجهه جامدا كقناع قاس عندما سقط عليه ضوء مصباح سقف السيارة.
أنكمشت أيفين في ركن السيارة يعد الخروج من بوابة القلعة , وبدت فتية القوام في ثوبها وقلادتها.
شعرت وكأنها لن تفهم هذا الرجل أبدا , فهو حينا يبدو طيبا يفيض بالأنسانية , وحينا مترفعا لا سبيل للدنو منه , أنه أعطاها المسكن والمأكل والملبس , ولكنه يمنعها من أن تقدم له أي شيء في المقابل ..... حتى التعاطف والمحبة.
وتأملت ملامحه الجانبية لها فبدت جامدة كأنما هو رجل من حجر .
لم تكن أيفين تدري أن نادي هيدالغو سيكون بمثل هذه العظمة ! كانت هناك عدة سيارات متوقفة أمامه , وعدة نوافذ طويلة تشعشع بضوء الشمعدانات البلورية , وهواء النادي يعبق بعطور النساء وموسيقى الأوركسترا.
أستقبل المركيز دي ليون والفتاة التي في صحبته بالترحاب ونظر الناس اليهما الى أن أوصلهما الخدم الى مائدتهما التي كان يشغلها رجل ذو شعر فضي وذقن وقور , ومعه راكيل فونسكا الجميلة.
" شكرا لمجيئك".
ووقف السيد فونسكا , ولمحت أيفين عينيه الورديتين فزال أضطرابها فورا , وأنحنى على يدها عندما قدّمها المركيز وكان يبدو ألطف من أبنته التي كانت تتفحص ثوب أيفين المخملي وقلادتها الذهبية بعينين ثاقبتين.
وقالت راكيل بصوتها الدافىء:
" جوان , من الصعب أن أتبين فتاتك التي شملتها بوصايتك كما كانت آخر مرة رأيتها , تصور يا أبي أنها كانت مسلية للغاية , عندما جاءت من الشاطىء , تحمل شمامة ضخمة وحسيتها تلميذة مدرسة , الليلة تبدو أنيقة للغاية.... ما أروع ما تفعله ثياب محلات غران فيا للمرأة".
إبتسمت بعذوبة بعدما أستقر الجميع في مقاعدهم , وتحدث دون جوان قائلا:
" الليلة سنطيل السهرة قليلا".
تطلعت راكيل عبر المائدة الى أيفين وقالت:
" سيكون هذا ممتعا , ولكن لماذا هذه الليلة بالذات , أهو عيد ميلادك يا عزيزتي؟".
أجابت أيفين:
" كلا".
وأشتدت قبضة يدها في حجرها ونظرت الى السيد فونسكا كأنما تسأله العون , ووجدته طيبا سمحا مما جعلها تشعر بالأطمئنان , وتابعت:
" على الأقل أشعر كأنما ولدت من جديد , فكل هذا جديد بالنسبة الي".
وهزت راكيل بيدها مروحتها التي كان رسم ورودها يتناسب مع لون ثوبها , وقال:
" أظن أنك كنت مرافقة , أليس كذلك؟".
وصححت أيفين قول راكيل وهي تدرك أنها على علم بأمرها ولكنها تجبرها على الجهر بذلك , فقالت:
" مرافقة وخادنة".
أبتسم السيد فونسكا وقال:
" لا عجب أذا كان هذا كله يبدو لك أشبه بمولد جديد , أن جوان يرغب أن أعلمك الأسبانية وأشياء أخرى وأظن أنه سيسرني أن أكون مدرسا لفتاة جذابة مثلك".
تمنت لو أستطاعت أن تحتضنه في هذه اللحظة , وقالت:
" أنا تواقة للتعلم على يديك يا سيدي , وأحذرك بأنني سأكون تلميذة متعطشة للعلم".
ضحكت راكيل وغازلت عيناها من فوق مروحتها دون جوان وقالت:
" أصبح عندك في العائلة يا صديقي عاشقة علم , وسحب أبي شحنها بالمعرفة , ولكنني أرى أن الأفضل أن تستمتع بالحياة وأن تجمع حولها المحبين".
وضحك السيد فونسكا وقال:
" ترى ماذا يحدث يا جوان عندما يسمح الأسباني لأبنته بأن تتحرر ؟ أنها تتجه فورا الى الطراز الأسباني وتفكر فقط في الغرام".
وقالت راكيل في دلال:
" وأي شيء ألطف من التفكير في الغرام ؟ بالطبع أذا كانت الفتاة عادية , فمن الأفضل لها أن تكون ماهرة , وأنا لم أكن ماهرة جدا".
رأت أيفين , من التلميحات فقط , أنها بالنسبة الى الفتاة الأسبانية تبدو ساذجة ومرتبكة , وغير معتادة على الظهور بمظهر المرتدية ثوبا غاليا من محلات غوان فيا , حدّثت نفسها قائلة أن الأكليل الذين تزيّن به رأسها يبدو غريبا ,وشفتيها باهتتين , أيعتقد دون جوان أن شفتي راكيل ورديتان بطبيعتهما؟
كان قدوم الخادم بالمقبلات قد ساعد على فتح مجالات أخرى لحديث خفيف بهيج , وتوالت الأطباق الشهية بعد ذلك مما جعل وقت العشاء سارا وممتعا , وأيفين تستمع لما يدور من كلمة هنا وأخرى هناك , وعزفت الأوركسترا وأمتلأت حبة الرقص , وكانت تعرف أن مانريك كورتيز لا بد أن يظهر ويسحر الجو بصوته وغيتاره.
هذا التفكير أضاء عينيها , وفي لحظة أدركت أن دون جوان كان ينظر اليها مباشرة , سألها:
" أيسرك عزف الأوركسترا؟".
تجرأت وإبتسمت له قائلة:
" أنها تجعل المرء يشعر بالأرتياح والسرور".
وأتجه أهتمامها بعد ذلك الى حلبة الرقص على مقربة من الأوركسترا حيث ظهر وسط عاصفة من التصفيق شاب يرتدي سروالا ضيقا قاتم اللون وقميصا فيه كشكشات , أنحنى , ونظر حواليه , وشعرت أيفين بأثارة شديدة عندما ألتقت عيناه بعينيها , أبتسم وشعرت كأن كل فرد قد عرف أنه أبتسم لها وحدها.
" سيداتي سادتي , سأغني أغنية قديمة من أغاني أشبيلية".
وأستند الى أحد الأعمدة وأحتضن غيتاره , وبدأت الأضواء تخفت , ثم قال:
" تخيّلوا شرفة وفتاة , وتحتها في الليل عاشق يعرف أن هناك رجلا آخر يحول بينه وبين رغبته".
أخذ مانريك يعزف على غيتاره , وبدا كأن الغيتار قد دبت فيه الحياة بين يديه , وشمل المكان سكون مطبق فلا قرقعة سكاكين أو ملاعق أو همسات زبائن , من قبل أحست أيفين عند الشاطىء بسحر صوته وموسيقاه , والليلة أختلطت موسيقاه بسهرة عشاء لم تتعود على مثلها , وأحست كأنها هي فتاة الشرفة في الأغنية , فتاة مرغوبة وممزقة بين عاطفتين.
ووسط التصفيق الذي أعقب الأغنية , لاحظت راكيل أنه كان جذابا للغاية , وكانت أيفين تحس بنظراتها , فجفلت كأن الفتاة الأخرى لديها القوة على أفساد حلمها.
مال السيد فونسكا يحاول تقديم شعلة لجليسه وقال:
" أنه موسيقي بارع يا جوان , ولكن لا شك أن الشلبتين هنا تهتمان بشخصيته الجذابة".
أحاط الدخان بعيني دون جوان , وشعرت أيفين بأنه يتطلع اليها , بينما أخذ مانريك يعزف بعض الموسيقى الأسبانية , وكانت قطعة موسيقية مرحة مليئة بالهيام الأسباني , وأبتعد عن العمود الذي كان يستند اليه وراح ينتقل بين الموائد , وقفز قلب أيفين الى حلقها عندما توقف عند مائدتهم وغنى شطرا من الأغنية خصيصا لها... ثم أبتعد.
قالت راكيل وهي تهز مروحتها كجناح طير عنيف:
" أن أيفين كانت تنظر اليه منذ اللحظة التي بدأ يغني فيها".
وظلت أيفين لحظة صامتة , ثم نظرت الى راكيل وشعرت بدافع بدائي لشدّها من شعرها , وقالت :
" الواقع أنني أعرفه , لقد ألتقيت به عند الشاطىء في اليوم السابق , وأصبحنا صديقين".
أضيئت الشمعدانات في هذه اللحظة وكتم التصفيق للمغني كل كلام لعدة دقائق , ولكن نظرة راكيل كانت واضحة المعاني , وأدركت أيفين بتحد أن عيني المركيز قد ضاقتا.
وبعد أن هدأت عاصفة التصفيق قال دون جوان:
" لماذا لم تدعي السيد كورتيز الى القلعة؟ العادة لدى الأسبان أن يقدم الشاب نفسه رسميا الى والد الفتاة أو وصيها".
أجابت:
" أنني بريطانية , ومثل هذه العادات الفكتورية قد بطلت في بلادي ".
وفي الحال وكأنما شعلة تلتهب في عمق عينيه قال:
" عليك أتباع عاداتنا أثناء وجودك ضيفة في بيتي , في المرة التالية التي يقترب فيها شاب منك.....".
وتوقف في هذه اللحظة , أذ عندما بدأت الأوركسترا تعزف موسيقى راقصة , أقترب مانريك كورتيز من مائدتهم مرة أخرى , كان يرتدي جاكيت للسهرة وعلت وجهه مسحة مهذبة وأنحنى أمام المركيز وضيوفه , وسأل:
" هل يسمح لي السيد المركيز بأن أطلب الآنسة الأنكليزية للرقص؟ لقد ألتقينا , ولكنني أنتهز الفرصة لأقدم نفسي رسميا لوصيها".
وبدت المسألة بالنسبة الى أيفين كأنها تشاهد مشهدا في مسرحية من مسافة , وأنها واحدة من الجمهور لا واحدة من النجوم , رأت دون جوان ينفض رماد سيكاره , ومروحة راكيل تتوقف كأنما هي جناح مكسور , وقال دون جوان:
" لا بد أن أهنئك يا سيد كورتيز على مهارتك كعازف , لقد أستمتعنا كثيرا بعزفك , ولو علمت من قبل أنك تعرف ضيفتي لدعوتك لمشاركتنا العشاء , ولعله يمكنك الآن؟".
ونظر مانريك الى أيفين وأبتسم في عينيها وقال :
" السيد المركيز كريم للغاية , ويكفيني جدا أن تسمح لي بالرقص مع الآنسة".
وأتجه دون جوان بنظره مباشرة الى أيفين وسألها:
" أترغبين في الرقص؟".
وقالت مرتبكة:
" أود حقا , ولكنني لا أجيد ذلك تماما".
" دعيني أعلمك يا آنسة ". وساعدها على النهوض من مقعدها وتقدم بها الى حلبة الرقص , وهناك أحاطها بذراعيه وهمس : " مرحبا سوليداد , يا ألهي , كنت أشبه بمن يتقدم الى عرين الأسد لآخذك من الوصي العنيد!".
" أعرف ماذا تعني".
ثم ضحكت في خجل وأندمجت مع أيقاع الموسيقى ووجدت مانريك رفيقا ممتازا , أنه يحيطها بذراعين قويتين , وكتفه عند الأرتفاع المناسب تحميها من نظرات الوصي عليها ونظرات راكيل فونسكا , وقال يغيظها مداعبا:
" قلت أنك لا تحسنين الرقص , أظن أنك فتاة غامضة , أخبريني مع من رقصت من قبل؟".
" مع كبير الخدم , في سهرة العيد يوم كنت خادمة , وكان ذلك شرفا لأنه فضّلني على غيري".
أستمرت ترقص مع مانريك نحو ساعة لم يغادرا فيها الحلبة , وعندما غادراها وجدت نفسها في الشرفة معه , النجوم تلمع في السماء , ورأسها وقلبها في دوامة , ضحكت بنعومة وقالت:
" لم أسعد أبدا بوقت ممتع كهذا ! هل أنتصف الليل؟ وهل عليّ أن أبتعد سريعا قبل أن تزول أناقتي؟".
أمسكها مانريك من ذقنها كأنما يتأمل عينيها , وفي الحال وجدت نفسها تتركه وتهبط درج الشرفة الى الحديقة , وتبعها وسرعان مت أختفيا وسط شجر اللوز وأحواض الزهور , هنا حيث الظلال والورود تقوم كحاجز بينها وبين دون جوان وسلطانه عليها , وأمسك بها مانريك عند شجرة وقال:
" أنت رقيقة للغاية , أليس كذلك ؟ ولكنني معجب بك كما أنت بغير تصنّع".
ومع أن قلبها كان يدق بسرعة من كثرة الرقص , ألا أنها لم تكن مضطربة مع مانريك مثلما هي الحال عندما تكون مع دون جوان , سألته:
" أليست صداقتنا جديدة للتحدث عن الأعجاب؟".
" كلا , أن الشباب الأسبان يرددون دائما أحاديث الأعجاب والهوى".
" أنا لست أسبانية يا سيدي".
" تعنين أنك لم تسمعي مثل هذا الكلام من الشباب؟".
وهزت رأسها مبتسمة , فهي حتى الليلة لم ترقص مع شاب , ولم تعرف أثارة الخلوة مع شاب جذاب جريء , أن سهم الحب لم يعرف الطريق اليها بعد.
" لقد كنت محاطة بحماية كبيرة ".
" كنت معزولة , هذه الكلمة أفضل".
قالت ذلك وداعبت بأصابعها ثوبها المخملي , وتابعت:
" من الغرابة أن أجد نفسي في ثياب كهذه , كأنني متنكرة في ثياب فتاة أخرى".
تطلّع مانريك اليها في الحديقة شبه المعتمة , وقال:
" لكنك لست .زز المركيز غني وقد جعل نفسه وصيا عليك , هذه القلادة مطعمة بالماس والزمرد".
لمست أصابعه القلادة وأرتعشت لسبب غريب , وقالت:
" أنا ممتنة لك , ولكنني أشعر كأنني مملوكة له ".
كانت يداه تمسكان بها عندما سألها:
" ماذا تعنين ؟ أنه يعاملك مثل أبنته , أليس كذلك؟".
" أجل.......".
" أذن لماذ تتحدثين عن الأمتلاك , أننا نستخدم الكلمة عندما نعني شيئا آخر معناه أنا أريدك كأمرأة وليس كإبنة !".
تملصت من بين يديه وقالت:
" لا تقل هذا ! لم أقصد شيئا كهذا , دون جوان وصي عليّ , وهو يحمل المسألة محمل الجد على نحو كبير , لقد طلب لي من أسبانيا مشرفة ترعاني , وقبل أن أعقد صداقة مع من أريد على أن أقدمه له للموافقة!".
ضحك مانريك وقال :
" الآن فهمت! هذا هو الحال مع الأب أو الوصي , وعليك أن تتوقعي من المركيز أن يعاملك على هذا النحو , أصبحت الآن مؤهلة تماما".
أنتابتها الحيرة فسألته:
" ماذا تعني , التحدث عن شخص أنه مؤهل يتضمن الزواج والمهر , أؤكد لك.....".
لمس مانريك خدها كأنه يهدىء من روعها وقال:
" لقد تكررت الآن , يا عزيزتي , ما دمت تحت وصاية المركيز فأنك تحصلين منه على مساعدتك كثيرة , أنت تعرفين هذا بالتأكيد , كما أن الأسباني يتحمل مسؤولياته بصورة جادة".
" كل ما أريده هو التعلم!".
" يا لك من لطيفة وبريئة ! كل ما تريدينه هو تعلّم أحتياجات الفؤاد , دعيني أكون معلمك".
ثم حاول أن يقربها منه أبتعدت وقالت:
" كلا يا مانريك !".
ثم جمدت وصمتت أذ سمعت وقع خطوات على الممشى الممتد بين الشجر وقالت:
" أنه هو".
" أيفين , أين أنت؟".
لم تستطع الرد عليه , ولم يحرك مانريك ساكنا أيضا , كانا يقفان على مقربة من بعضهما في ظلام الحديقة.
وراح دون جوان يفرّق أغصان الشجر بعصاه وهو يتقدم منهما قائلا:
" نحن على وشك العودة الى البيت".
كان صوته مثل وجهه بلا تعبير , ولكنه أضاف موجها الكلام الى العازف:
" أرجو أن تترك ضيفتي يا سيد , ويكفيها كل هذه الأثارة في ليلة واحدة".
بدت أيفين شاحبة ومذنبة , وتنحى دون جوان جانبا حتى تتقدمه , وسمعته يقول لمانريك:
" في المستقبل عليك أن تتذكر أنني وصي على أيفين , ومثل هذه الخلوات في الظلام تضطرني لمنعها من رؤياك".
منتديات ليلاس
أستدارت كي تحتج ولكنه لوّح لها بالسير في الممشى , ولم تتجرأ على عدم أطاعته , أنه طويل وأسمر وجاد , وجمعت ذيل ثوبها وجرت متقدمة عنه , شعرت كأنها طفل ضبط متلبسا بسلوك سيء , وحاولت وهما في السيارة في الطريق الى البيت أن تدافع عن براءتها , فقالت وقد ركزت عينيها على الزجاج الذي يفصل بينها وبين سائق السيارة.
" لم يحدث بيننا أي عناق".
" أنا متأكد أن ذلك كان حتما سيحدث أذا تأخرت عن المجيء".
" مثل عم من الزمن الفكتوري !"
" أهذا هو شعورك؟".
وعمقت أبتسامة صغيرة خطوط السخرية المحيطة بفمه , وأضاف:
" البراءة تغمرك يا أيفين , ولكنني أعرف الشبان الأسبان وخبرتهم في المغازلة , ولا أريدك أن تخلطي بين الحديث الصريح لموسيقي شاب وسيم والأحاسيس العميقة الصامتة , أود أن تزداد معرفتك بالأسبان وبعاداتهم , وبعد ذلن لن تحتاجي لحماية عم من الزمن الفكتوري".
وعضّت أيفين شفتها وقالت:
" آسفة أن أكون قد أتعبتك وأصبحت عبئا عليك يا سيدي".
" أنت تضيفين كلمات لم أستعملها يا آنسة , تقصدين تصرفي , عندما وجدتك مع هذا الشاب في ظلام الحديقة".
" لقد كنت معه في حلبة الرقص..... وهل هناك فرق كبير؟".
" يا صغيرتي العزيزة , أذا كنت لا تعرفين الفرق , فهناك أذن نواحي أخرى من التعلم ينبغي أخذها بعين الأعتبار".
نظرت اليه بسرعة ولمحت في عينيه السوداوين هذا البريق من الدعابة غير المتناغمة , وهذا ما جعلها تجفل أذ أن وجهه لم يكن ينم عن شيء , بل كان أشبه بنور الشمس المتجمعة في قاع بركة , كان ذلك البريق علامة للشيطنة ...... وتذكيرا بأن جوان دي ليون لم يكن دائما رجلا أعرج.
" أنت تمثل الطاغية الحديدي لكي تغيظني".
ضم يديه على قمة عصاه الفضية وقال:
ليس تماما , لقد عنيت ما قلته لمانريك كورتيز , يمكنه أن يكون صديقا لك لأنك في حاجة الى شاب تتحدثين اليه وترقصين معه ..... ولكنني لن أسمح بعلاقة غرام , هل فهمت؟".
نظرت الى ملامحه الجانبية وشعره الدخاني عند السوالف , كان مزيج القوة والنضوج مزعجا , وكانت تود أن يكون مختلفا , كانت تود أن يكون هذا الرجل بمثاب الأب لها , ولهذا قالت:
" نعم , فهمت يا سيدي , سأحاول فعل ما تشير به عليّ, ولكن ماذا عن شعوري؟".
نظر اليها عن عمد وقال:
" شعورك!".
" لا يمكنك منعي من أن أحب".
" أذا كنت تتحدثين عن غرام المراهقة السريع الزوال , فهذا شيء علينا جميعا أن نعاني منه الى أن يكتمل نمونا ونضجنا".
قالت بهدوء:
" قالت بهدوء:
" لقد أكتمل نموي منذ بلغت الخامسة عشرة وفي حالتي , لا أظن أن مانريك يود أن يظل صديقا لي بعد الذي قلته له".
نظر اليها دون جوان وقال:
" الأسبان ليسوا بمثل هذه الحساسية , وهم أكثر أصرارا عندما يتطلعون الى هدف".
وأبتسمت نصف أبتسامة وقالت:
" مثل دون كيشوت مثلا؟".
وتلاقت عيونهم:
" بالضبط , هل قرأت مغامراته؟".
" ضمن نطاق مطالعاتي قصص الحب للسيدة ساندل".
أبتسم وقال:
" مكتبتي في البرج البحري تزخر بكتب أنكليزية كثيرة , وهي لك للمطالعة والمتعة".
شكرته وفكرت كيف تحول بلباقة من التحدث عن الرومانسية الى التعلم , يمكنها أن تظل صديقة لمانريك , ولكن المركيز لا يرى أنها ناضجة بما فيه الكفاية للحب.
أخذت تحلم قليلا أحلام الفتيات ثم أستولى عليها النوم , ولما وصلت السيارة فناء القلعة كانت يد تلمس شعرها وسمعت صوتا يهمس بأسمها:
" وصلنا البيت يا أيفين".
قالت والنعاس ملء عينيها:
" البيت؟".
وعندما فتحت عينيها كان رأسها يستند على كتف مضيفها ووجهه قريبا منها , وفي أقل من ثانية أسرعت بالأبتعاد عن وجهه.
" لقد غلبك النوم بعد كل هذا الرقص مع مانريك الوسيم , هيا ا , وتذكري أن غدا بداية دروسك مع السيد فونسكا".
وبعدما خرجت من السيارة شبه نائمة , تبعت دون جوان على الدرج المؤدي الى باب القلعة الواسع , وبعدما دخلا القلعة أنحنى لها المركيز مودعا:
" ليلتك سعيدة يا تلميذة"

للعودة الى الفصل 3 اضغط هنا
للمرور الى الفصل 5 اضغط هنا

No comments:

Post a Comment

اقرا المزيد