Recent Tube

test

اخر الاخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

Saturday 9 December 2017

رواية " تناديه سيدي" للكاتبة: فيوليت وينسبير الفصل 3


3- أنا مشدود اليك 

من المستحيل النوم في القلعة إلى وقت متأخر فالشمس تغزو الغرفة مبكرا , وتملأ غرفتها في البرج دفئا ونورا , لهذا كانت تسرع في أخذ حمامها وأرتداء ثيابها والخروج إلى الشاطىء , مؤجلة الأفطار تفاديا للأنفراد مع دون جوان , أما هو فكان يذهب للعمل في برجه البحري بعد تناول القهوة والفاكهة , أو يأمر بمجيء السائق لنقله من أجل حضور اجتماع عمل في البلدة.
كان ينهمك كثيرا في كل شؤون الجزيرة , فهو رئيس مجلس أدارة في عدة شركات تتولى تأمين التعليم والرعاية الصحية لسكان الجزيرة , ولكن لم يكن لدى أيفين أية فكرة عن أشغاله في البرج البحري , وهو المكان الذي فتنها ولكنها لم تجرؤ على أكتشافه رغم أنه سمح لها بأستعمال المكتبة.
كان في وسعها أن تسأل آلما مدبرة المنزل , ولكنها منذ الصباح الذي أخذت فيه مقاسها لأرسالها الى بيت الأزياء في مدريد وهي تلتزم الصمت والجمود معها , كأنها تظن أن أيفين تستغل أنوثتها لأنتزاع أموال دون جوان.
منتديات ليلاس
قطفت أيفين زهرة برية , قبل أن تشق طريقها الى الشاطىء , كان يمكن أن تظل مسرورة بالثياب القليلة البسيطة التي وجدتها في الخزانة غير أن دون جوان كان رجلا دقيقا بالنسبة الى الثياب , وقد قرر أن يرعاها ما دامت تحت وصايته , أنه لا يقبل أن تعكر عينه الناقدة فتاة غير أنيقة.
وضعت الزهرة في ضفيرتها , ووقفت تتأمل رغوة البحر البيضاء وهي تلتقي مع الرمال الذهبية , من يصدّق أن كل هذه المياه الزرقاء الجميلة المتلألئة كادت أن تجرها في ليلة معتمة الى الأعماق وتخنقها , ومع أن الخوف قد أبتعد عنها , ومع أنها تلهو على الشاطىء بجمع الأصداف وممارسة لعبة البط والمراكب بواسطة قطع من الأخشاب , فأنها لم تجرؤ على الخوض في الماء لأكثر من قدميها , ولم تكن لها أية رغبة في تعلم السباحة منذ ليلة غرق الباخرة.
سمعت نباح الكلب كارلوس الذي جاء الى الشاطىء لمشاركتها في لهوها , كانت تلقي بقطع صغيرة من الخشب الناعم ليركض وراءها , وسرعان ما أقتربا من الطريق المؤدي الى كوخ أمريتو في الغابة , قررت أن تزور ماري لويز وطفلها , وقبلت البقاء على الأفطار ثم مجالسة الطفل بينما تذهب ماري لويز على ظهر حمار كي تتسوق من قرية الصيد الصغيرة التي تبعد نحو ميل بمحاذاة الشاطىء.
منتديات ليلاس
كانت أيفين معتادة على تسلية الأطفال الصغار أذ أشتغلت نحو سنة في حضانة الأطفال لدى آل ساندل , كان كل شيء على ما يرام الى أن ألتقط الطفل حصاة بقبضته وحشرها بقبضته وحشرها في فمه , ولم تضيّع أيفين أي وقت في أنتزاعها من فمه وهذا ما جعله يصرخ , وشاركه الكلب كارلوس بنباحه , وأخذت أيفين تتمشى على الرمال حاملة الطفل لتهدئته , وأذا بشخص يظهر على الشاطىء ويتأمل ما يحدث.
وفجأة ترامى الى سمع أيفين صوت موسيقى غيتار , ونظرت حولها فوجدت شابا يتقدم نحوها , وعندما أقتربت منه بدأ يغني أغنية أسبانية بصوت مخملي كعينيه , يرتدي بنطلون الميتادور وقميصا حريريا ويلف رقبته بمنديل أحمر , كان شابا أسود الشعر أستند الى شجرة وراح يغني سرنادة ( أغنية عاشق تحت نافذة المحبوبة ) للفتاة والطفل , كان صوته ساحرا حتى أن الطفل توقف عن الصراخ وأخذ يمص أصبعه راضيا.
وظل الشاب يغني ويعزف حتى نام الطفل ثم تقدّم بهدوء ليلقي نظرة اليه بين ذراعي أيفين , قالت بالأسبانية في حياء:
" ألف شكر لك يا سيد".
وأجابها بالأسبانية , ولكنها لم تفهم كلمة مما قاله , وأوضحت بالأنكليزية :
" آسفة , أنا لا أتحدث الأسبانية".
ولمع بريق عينيه وقال:
" طفلك له رئة قوية يا سيدتي , وسيكون مغنيا مثلي".
وأبتسمت للخطأ الطبيعي الذي وقع فيه وقالت:
" ليس هذا طفلي يا سيدي أنني أرعاه الآن فقط حتى تعود أمه بعد التسوّق من القرية".
وزاد التألق في عينيه وقال:
" فهمت , عندما رأيتك قلت لنفسي : ريك من سوء حظك أنك وصلت متأخرا جدا ! في كل حال كان خطأ سارا , فأنت أذن لست أما يا آنسة , ولست لرجل آخر؟".
" كلا".
قالتها بسرعة وأرادت أن تتجنب نظرة عينيه المثيرتين , ووضعت الطفل على قماشته السميكة , وبعدما نظرت ثانية الى عازف الغيتار الشاب أنحنى أمامها وقدّم نفسه معلنا أسمه ( مانريك كورتيز أيستبان ) , ويقيم في الجزيرة لمدة ستة أسابيع يغني خلالها في نادي هيدالغو بميناء بورتو دي ليون.
" هل تسمحين لي لي بالجلوس الى جانبك؟".
وتطلع الى الرمل وفي لحظة جلس بحرية ثم تطلع اليها بأبتسامة وقال في النهاية:
" ألا تقول الآنسة أسمها؟ ربما نتحدث ساعة ثم نفترق , فأذا عرفت أسمك سأتمكن من العثور عليك ثانية".
" أتريد هذا حقا؟".
لم يسبق أن تحدث اليها شاب بمثل هذه الحرية.
" بعض الناس يرون أن ساعة تكفي لمعرفة كل شيء , في حين أن الأمر مع آخرين قد يستغرق العمر كله".
وأستقرت نظرته على شعرها الذي جمعته في ضفيرة واحدة أنسابت على كتفها النحيل , وتابع:
" لا بد أن لك أسما فريدا , فهناك شيء غير عادي بالنسبة اليك , أنت تختلفين عن شابات الرحلات المرحات اللواتي ألتقيت وتحدثت اليهن في أسبانيا".
" أنت تتحدث الأنكليزية بطلاقة يا سيد".
" هل أنت أنكليزية يا آنسة؟".
" طبعا".
" في الواقع , هناك شيء مختلف في صوتك".
وأبتسم وقال :
" أنا مشدود اليك ".
كانت عبارة ثناء جعلتها تتساءل ماذا كان يمكن أن يفعل هذا الشاب لو ألتقاها بثوبها وشعرها المرفوع فوق رأسها والنظارة على عينيها مثلما كانت في الأيام السابقة.
مال الى الأمام قليلا ليمعن النظر في الأبتسامة التي تعلو شفتيها , ولم تشعر بأي خوف , ولا بأي حافز للتراجع كما فعلت مع دون جوان , وأضاف:
" وضحكتك أيضا غامضة , هل جئت من مكان ساحر من بين تلك الغابات الصنوبرية؟".
فأجابته بدلال :
" ربما من القلعة , ومعي كلبي لحراستي".
ونظر الى الكلب كارلوس الذي أقترب رأسه من كتف أيفين الجالسة , وقال :
" أنه يدعو للمشاجرة , ألا تخافين منه؟".
ربتت بيدها على الكلب وقال :
" كلا أطلاقا , أنه حمل وديع".
" يبدو كالذئب".
" أفترض أنني أقول الشيء نفسه عنك؟".
ضحك للملاحظة البارعة بدون أن يتخلى عن التقرب منها وقال:
" أن الأسبان هم سلالة جنس من ذوي الدم الدافىء يا آنسة , ويحبون التحدث عن الجمال , ما من أسباني يتسم بالبرود كما تعلمين , فالله وهبه نعمة النظر والحواس , وسواء كان صغيرا أم كبيرا فأنه يحسن أستخدام بصره وحواسه ".
قالت:
" أليس هذا صعبا , مع وجود القضبان الحديدية على النوافذ الأسبانية؟".
ثم أبتسمت ابتسامة رزينة خادعة.
جاب في خبث:
" لا حاجز بيننا". 
“ هناك كارلوس , وكذلك كوني لا أكاد أعرفك يا سيد....".
" هذه ملاحظة واعدة من الآنسة الغامضة , هل آمل أن تسمحي لي بأن نكون أصدقاء؟".
" جميل دائما أن يكون للمرء صدقاء".
" فتاة بمثل هذه الجاذبية لا بد أن لها عدة أصدقاء".
داعبت أيفين بأصابعها رأس الكلب وقالت:
" على العكس , هناك فقط أمريتو وزوجته .. ولست متأكدة من ناحية المركيز دي ليون".
رفع عازف الغيتار الشاب حاجبيه وسأل:
" أتعرفين المركيز؟".
" ومن الذي يمكنه أن يقول أنه يعرفه؟". قالت ذلك وهي تمد بصرها الى البحر المحيط بالجزيرة وأضافت:
" أنا أعيش معه .....يا ألهي , هذا يبدو مستهجنا ! أقصد , أنا تحت وصايته يا سيدي".
" تحت وصايته؟ تعنين أنك الفتاة التي أنقذوها من السفينة الغارقة ؟ أن الجميع في ميناء بورتو دي ليون يتحدثون عنك , ولكن المركيز رجل لا يجرؤ على سؤاله أحد , أذن فهو يقول أنك تحت وصايته".
" نعم!".
وقفت فجأة فذعر الكلب , وكاد طفل ماري لويز يستيقظ , وسألته:
" بماذا يتحدث الجميع يا سيد كورتيز , هل يقولون أنني أنتزع ماله ؟".
" أنت؟".
وقبل أن يتابع كلامه نهض بقامته التي تعلو عنها بكتفيه ورأسه , وكان قميصه الحريري يلتصق بجسمه الشاب بينما هبّت نسمة لطيفة , وأضاف:
" كيف يمكن لأحد أن يراك وتساوره هذه الظنون؟كما أن المركيز ليس بالأبله , وهو معروف بالكرم , ولكن لم تحرّك أمرأة فؤاده".
علّقت على قوله:
" أنه أسباني حتى العظم , أليس الأسبان من ذوي الدم الدافىء كما قلت قبل قليل؟".
" كنت أتحدث عن الأشخاص العاديين".
" أعتقد ذلك".
وتلاقت عيونهما تحت نور الشمس , فتابعت :
" أن أمريتو الذي يعمل عنده وجدني في البحر وجاء بي الى الجزيرة , وقال المركيز أن عليّ البقاء في القلعة الى أن يتم الأستفسار عن مخدمتي ومعرفة ما أذا كانت بين الذين تم أنقاذهم , وقد نجت وسلمت ولكنها تركتني شريدة.... وليس لي من أحد إلا دون جوان , أنه يعطف عليّ بطريقته الخاصة".
" ألم تفكري بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" ألم تقل بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" كان دون جوان الآخر يحطم القلوب وظل قلبه سليما".
" أتظن أن قلبي في خطر؟".
" أن المركيز شخصية مرموقة".
" وأنا لم أكن قبل أسبوعين غير خادمة يا سيد كورتيز".
" ألا تتكرمين وتنادينني بأسم ريك".
" أتصر على أن نكون أصدقاء؟".
" أكثر من قبل , وأذا لم تقولي لي أسمك , فسأدعوك سوليداد".
" أسم حزين!".
" معناه فتاة الوحدة , وهي حالة أرى أن أغيّرها".
" أنت واثق من نفسك؟".
" ألا تريدين الخروج من صدفتك؟".
" يبدو أنها عملية مؤلمة....".
" أعدك بأنها لن تكون مؤلمة أطلاقا....... ". وأخذ بيده الزهرة التي وضعتها في شعرها وقال:
" الحياة كهذه الزهرة , مزيج من الحلاوة والمرارة , الى اللقاء يا سوليداد".
ذهب مثلما جاء بهدوء وسط الأشجار , ولكن بعد لحظات سمعت أيفين صوت محرك سيارة سريعة , وتخيلت السيارة تشق طريقها في الريح , والشال الأحمر الذي يلف عنق الشاب يتطاير في الهواء حتى غابت السيارة عن الأبصار.
وضعت أيفين الطفل في قماشته وأتجهت به الى الكوخ , كانت ماري بويز قد عادت حاملة معها شماما كبيرا ذهبيا , تناولت معها فنجان قهوة , ولما حان موعد عودتها الى القلعة أصرت ماري لويز على أعطائها شمامة , كانت كبيرة ناضجة حتى أن أيفين لم تمانع في أخذها , لهذا وصلت القلعة وهي حاملة الشمامة على ذراعها والأبتسامة على شفتيها.
دخلت من حاجز حديد مشغول في الباحة , وأنتابها الذعر على الفور أذ وجدت دون جوان مشغولا وفي رفقة حسناء جميلة ذات ثوب من الشيفون الأرجواني وعلى رأسها قبعة عريضة تكشف عن وجه أبيض وعينين واسعتين سوداوين.
منتديات ليلاس
وقفت أيفين عند الحاجز حاملة الشمامة وتمنت لو أنها من الضخامة بحيث تخفي ساقيها المتسختين برمال الشاطىء ووجهها الملوح بالشمس , بعيدا عن الجالسين تحت الشجرة المزهرة بلون ثوب الحسناء.
وببطء رفع دون جوان رأسه ,وفي لحظة لا نهائية بدت عيناه كأنما تركز على أيفين بكل شبابها وعدم أناقتها , كان يرتدي بدلة بيضاء زاد من نصوعها شعره الغزير الذي يلمع كجناح غراب.

في تأديب جم متعال , وقف مستعينا بعصاه الأبنوسية وحيّا أيفين وقال :
" الرجاء المجيء والتعرف على دونا راكيل فونسكا , كنت أحدثها عن تتلمذك على يد أبيها".
تقدّمت أأيفين بكل طاعة , وهي لا تزال تحمل الشمامة , وشعرت بعينين فاتنتين تفحصانها هي وثوبها القطني , فقالت راكيل بصوت دافىء مغناج وبلهجة حلوة:
" كم يسرني التعرف عليك يا آنسة بلغريم ".
ثم ضحكت مبهورة وحولت نظرها الى المركيز.
" جوان , أنك لم تقل لي أن الفتاة التي تشملها بوصايتك هكذا أبنة للطبيعة! ما أروعها بالشمامة وكل شيء الآن أفهم لماذا ترغب في وضعها تحت جناحك الرحيم".
هزّ دون جوان رأسه كما لو كان موافقا على كل كلمة خرجت من بين شفتيها الحريريتين الورديتين , كلمات تحط من أيفين بسخرية مبطنة , الشمامة وكل شيء ! كانت أيفين تريد أن تلقي بالشمامة بين الشجرة ولكنها عندما تذكرت ماري لويز وسرورها في أهدائها أياها , خجلت من نفسها بما قالته تلك الفتاة التي في غنى عنها وعن شمامتها , قالت أيفين:
" أتطلع الى مقابلة السيد فونسكا , عرفت من السيد المركيز أن أباك رجل علم وثقافة قدير".
كانت محاولة متعمدة من أيفين للعودة , وقد شعرت الى جانبها بصلابة دون جوان وصفائه , وهو يقول لها:
" دونا راكيل باقية للغداء معنا في القلعة , لديك نصف ساعة يا أيفين كي تستعدي لمشاركتنا".
" أترغب في مشاركتي لكما؟".
قالت أيفين ذلك وكانت تأمل أن تعفى من عذاب الجلوس الى المائدة مع الفتاة الأسبانية ذات الثوب الأنيق والماكياج الكامل , والشعر الذي لم يحركه هواء البحر المالح في الشاطىء.
أجاب دون جوان:
" هذه رغبتي".
ولمحت أيفين أبتسامة تنفرج على شفتي دونا راكيل.
وعلّقت راكيل:
" رغبتك أمر مطاع ما دمت الوصي , أليس كذلك يا جوان ؟ ونطقت أسمه بعذوبة كأنما تعانقه.
" سأذهب وأستعد , أرجو أن تأذنا لي".
وكادت أيفين أن تركض بعيدا عن وصيّها وضيفته , وكانت أظافرها تخدش الشمامة التي ألقت بها على الفراش عندما وصلت الى غرفتها .
وتطلعت الى صورتها في مرآة خزانة الثياب فأذا بها تبدو كمتشردة صغيرة تعيش على الأحسان , فهل من الغرابة أن تتخذها راكيل فونسكا هدفا للتسلية وبعض العبارات المبطنة؟
فتحت الخزانة وأخرجت التنورة الخضراء والبلوزة ذات الكشكشة , وبينما كانت تغتسل وترتدي ثيابها تساءلت متى تصل ثيابها الجديدة من مدريد , كانت في البداية تتمنع في الموافقة على طلبها , أما الآن فهي مسرورة لأنه تم طلبها , وبما أن دون جوان وصي عليها فستضطر الى مقابلة أصدقائه وهو لا يرغب أن يحرج بسببها , ولا هي تريد أن تهينها فتيات لم يعرفن أبدا ما معنى أن تكون الفتاة يتيمة ثم خادمة تعمل من الفجر الى أن تأوي الى فراشها.
كان غداء بهيجا بالنسبة الى راكيل التي كانت خبيرة بكل الأساليب التي تفتن الأسباني , فيها دلال وغنج وتظاهر بالرزانة , وخيل لأيفين أن وصيها المترفع مسحور براكيل , كان يصغي اليها والأبتسامة على شفتيه , كما ضحك عندما وصفت الحفل الذي حضرته على ظهر يخت يملكه ميتادور مشهور.
" كانت أزرار قميصه ماسية , يا جوان , وقال أنه في المرة القادمة التي يزور فيها أشبيلية علي أن أراه وهو يصارع الثيران في الحلبة وقال سيقدم أليّ أذن الثور".
" يا للفظاعة!".
نطقت أيفين بالعبارة قبل أن تتمكن من حبسها , ثم تابعت:
" أقصد بالنسبة الى الثور , لا الأزرار الماسية".
نظرت اليها راكيل ببرود , وتركت شوكتها فوق طبقها المملوء بالحلوى , وقالت:
" من السخرية أن تظن البريطانية أننا قساة بسبب مصارعة الثيران , أليس صحيحا أن مواطنيك يذهبون للصيد بستراتهم الحمراء , وأعتقد أنهم يطاردون الثعلب أو الأيل؟".
" أنا أكره الصيد كذلك".
قالت أيفين ذلك وقد شحب وجهها , لأنها تذكرت صوت الأبواق في صباح ضبابي , وتذكرت موت أبيها في أصطبلات بيت ساندل الريفي , وتابعت:
" الذين يعتقدون أن الرياضة هي مهاجمة الطرائد وتمزيقها لا يشعرون بأي شيء سوى الأثارة من وراء قسوتهم , وأتمنى أن تحظر بلادي الصيد".
وتحدث دون جوان بهدوء مع شيء من الصرامة في صوته:
" أن مصارعة الثيران شيء مزر , لقد كنت أكره دائما حجب عيون أحصنة البيكادور ( الفارس الذي يهيّج الثور ويغرز الرماح في عنقه)".
" أنت تقول ذلك يا جوان لأن الحصان ..........".
وحسم جوان الموضوع قائلا:
" لن نناقش المسألة يا راكيل".
ولاحظت أيفين أنه أبتسم ولكن عينيه كانتا ساكنتين كالبحيرات التي قد تخفي أعماقها أشياء كثيرة غامضة , ثم غيّر الموضوع قائلا:
" ستكون هناك حفلة موسيقية في نادي هيدالغو , وأظن أن أيفين قد تستمتع بها".
ونظرت راكيل عبر المائدة الى أيفين وهي بثوبها الريفي وشعرها المضفر ورقبتها النحيلة العارية من الحلي , وأبرزت الفتاة الأسبانية حليها وقالت برزانة:
" أمتأكد يا جوان أن موسيقانا ستعجب الآنسة بلغريم؟ أنها تختلف عن موسيقى الغيتار الشعبية التي تسمعها في بلادها"
ونظر الى أيفين وسألها:
" هل أنت من عشاق الموسيقى الشعبية؟".
" في الواقع يا سيدي لم يكن لدي الوقت لأعرف , بين حين وآخر كانت هناك حفلات رقص في البيت وكان يتم أستئجار فرقة موسيقية للمناسبة , غير أن أصدقاء مخدومي لم يكونوا من أفراد المجتمعات الدولية".
وأبتسم , وفي لحظة محيرة بدا كما لو أنها نفدت الى عينيه السوداوين ووجدت فيهما وعدا بالعطف والملاطفة.
" أعتقد أننا نستطيع الأطمئنان يا راكيل أن أيفين لم تفقد بعد قيمها البريئة , وموسيقى عازف الغيتار مانريك كورتيز لن تشيع سدى".
وبدا وكأن قلب أيفين تخطى أحدى دقاته , أنها ستكون برفقة دون جوان عندما ترى ثانية الشاب الذي سمّاها فتاة الواحدة ( سوليداد ) , هذه الحفلة المتوعة ستكون مثيرة!

للعودة الى الفصل 2 اضغط هنا 
للمرور الى الفصل 4 اضغط هنا

No comments:

Post a Comment

اقرا المزيد